نشيدٌ إلى الأنثى
بقلم فادي أبو ديب
إلى روح الفيلسوف الفرنسي بيير أبيلار

ألا ترينني؟ أنا هنا…ما زلت منذ دهورٍ أنتظرك أيتها المقدَّسة، يا أعجوبة الخالق، يا تجلّي الجمال وبيان إشعاع الحبّ المقدَّس الطاهر. تعالي إليّ ولا تخافي، ولا تسألي، ولا تسمحي للفوضى أن تسكن قلبك الصَّغير القلق. تعالي فقد ألمّ الألم بقلبي الذي ما انفكّ يتلقّى طعنةً تلو الطعنة. تعالي وانسي البشر بقذاراتهم وكلماتهم وخناجرهم المجهَّزة للانقضاض على من حولهم وعلى أنفسهم. اتركيهم يقتلون بعضهم بعضاً ثم ينتحرون واحداً تلو الآخر!
كوني شرقيّةً و غربيّةً، رقيقةً وشجاعةً. كوني فنانة…عاشقة. كوني محيطاً هائجاً. اغضبي، ثوري على البشرية وقذاراتها فأنا هنا لأستمع…وأستمع…وأضمّك إلى الأبد. اغضبي وتحدّثي في الفلسفة قدر ما تشائين، فبريق عينيك الذابلتين يكذِّب قوّة انفعالك الغضّ.
كوني سَيْلاً يقتحم حياتي ويجرفها إلى مجهولٍ نورانيّ. لا تحدّثيني عن القواعد والطقوس البهيميّة، لأني لا أعترف إلا بالنواميس الإلهية، وحيث روح الإله الحقّ هناك توجد الحرّية، وحيث يوجد الشيطان سترين كثرة القوانين البشريّة. لا تكوني ضعيفةً خائفةً، بل ثوري وتفجّري وكسّري كلّ سلوكيات النذالة والخِسّة الاجتماعية. استقبلي روح الألوهة داخلك ثم اتركي نواميس القبيلة تصيبهم بالطاعون واحداً واحداً.
كوني قمراً يلفّني بضيائه الفضّي فيخلق حولي وفي داخلي بهاءً سحريّاً. كوني لحناً مستديماً يجعل قلبي يرقص إلى الأبد على إيقاع أنفاسك وأفكارك ودقّات قلبك، الذي يمنحني حياةً جديدة داخل صندوق حياتي المتخلخِل المهترئ. كوني إجابةً على أسئلة وجودي القلِق، فوجودي كلّه يهتزّ بدونك ويفقد استقامة اتجاهه. كوني همسةً دائمةً ترمي بإيحاءاتها في مسامعي في كل مكانٍ، وفي الليل والنّهار، ترافق كل هبّة ريحٍ غامضةٍ تأتي وتذهب من دون رجعة. كوني اسماً ينحفر للأبد في سجلّات التاريخ إلى جانب اسمي. كوني كوْناً يتّسع لكل نجومي وكواكبي وأجرامي الطائشة التائهة، فلم أجد بعدُ مكاناً أو فراغاً قادراً على استيعاب أفكاري المتصارعة وشَغَفي الخالق وخواطري التي لا تهدأ. كوني تاريخاً سأكتبه بعد سنين، تاريخاً مليئاً بصور عينيكِ، وابتساماتكِ، ومشاكلكِ الصغيرة، ونقاشاتك الحامية، ووجهكِ الذي يحمرّ عندما تخجلين، وعندما تغضبين، وحتى عندما أمسك يديك الصغيرتين. كوني مستقبلاً نخطّه سويّةً، تكتبه يدكِ ويدي الحامية تمسك بها، وتوحي لها بالأحرف والكلمات والصُّوَر. كوني ذلك الخيال الذي يتحرّك مع كلّ إيماءةٍ تختلج خيالي. كوني النار التي تمنحني الدفء، وتحرق أيّامي اليابسة، التي أصبحت بلا لونٍ ولا حياةٍ بعد أن فقدت صباها اليافع الفتيّ. كوني جسداً يتحرّك حولي بشقاوة فيرسم دوائر طفولية ملوَّنة. كوني روحاً شفّافةً لا تشيخ ولا تتلف، روحاً تتنازل لتأخذ جسداً يرافقني ويحتلّ كل مساحات الفضاء من حولي، روحاً تتّحد بروحي فتزيد خفقان الألوهة في داخلي. اخرجي من ذاتكِ لتكوِّني معي ذاتاً واحدة وجوهراً واحداً، كي لا يعود للانفصال وجودٌ إلا في عالم المجرَّدات التي لا تنطبق علينا. كوني أنا ودعيني أكون أنتِ. ادخلي في تفاصيلي، وحاسبيني على تحرُّكاتي فأنا أقبل أن أكون مراقَباً من نفسي، لأنك أنا وأنا أنتِ.
باختصارٍ، كوني…حبيبتي!
كم اتمنى لتلك الانثى الشرقية أن تمزّق جدار انوثتها المنكوبة … وتخرج الى رحاب الفضاء المُنتَظِر
كم اتمنى أن تصبحَ ضحكتها أفق …وبريق عينيها شعاع عندما تنظر اليه تضيع في قاع محيط هائج
كم أتمنى ان تعلم بأن يديها شغف أكوان وعلى شفتيها يرتسم المدى ويبتعد
كم اتمنى ان تعلم بأن جسدها دماء تنبض ويسطع من حرارتها قمر وتخرج الغيوم الليلية من كبد سماء
حدثيني ايتها الانثى وبوحي بدماءك التي ستنفجر من عبء حلمك الأسطوري الثقيل … فالحياء في الحب عار
وصمتك الثائر داخلك بركان … حذاري ان يخمد بآهاته … فانا أنثى كأنتِ … خرجت من الثوب المبهم
وعلمت منذ ازمان بأنني ولدت من دماء تجوب اوردتي
فهناك آخر ينتظركِ … هناك جسد …هناك روح …هناك قلب يرتجف لعبورك
ليخوض في عالمك طرق الحب والنشوة
ألا تعلمين بأن قصص العادات والتقاليد بالية … تجعلك تنزفين كجرح مكتوب منذ عهود ؟؟؟
تمردي وخوضي جنون عبقرية الحب المجنون … وما الحكمة الا جنون
فالحياة دقائق كوني أنتي الزمن وثوانيه
عانقي حبا” … وذوبي كشهد … وارتعشي لقلب رجل
كم اشفق عليك يا رجلا” امتطى صهوة السفر والبحث عن أنتِ
كم اشفق على امراة حطّم التاريخ أحلام وجودها وجعل من جسدها لوحة رُسِمَت بألوان مقيدة داخل اطار لوحة عُلِّقَت على حائط متحف التسلط والقهر والحرمان
تحرري وارتقي الى عالمٍ … وُجِد لتحرك زراعك فجر نهاره وينتظر مغيبه ذوبانك في أحضان رجل عاشق
اصبح يعتنق فقدانك … وحقا” كوني … حبيبته
شهقة الحياة حب … ولحظة موتنا دفنه
كم أتمنى أن يعود عبق الألوهة لآدم وحواء، وأن يمسك بيدها فيعيدا معاً ثمرة المعرفة للشجرة. ويا ليتهما ما عرفا المعرفة، ويا ليتهما ظلا اولاد براءتهما الأولى!
أم لعلها المعرفة هي من جعلتهما يكتشفان بعضهما البعض؟! ألعل المعرفة جعلتهما يذوبان عشقاً أكثر فأكثر. لا أدري!
ولكن ما اعلمه أن الرجل ما زال طفلاً يحتاج إلى قلبٍ كونيّ ليحضنه، والمرأة أصبحت بحراً متمرِّداً بحاجةٍ لعيني طفلٍ عنيد تهدِّئان تمرّده ، فتتحوّل الأمواج الثائرة إلى ينبوع يسقي حياة هذا الطفل منمّياً فيه نبض الألوهة المتباطئ.
قام بإعادة تدوين هذه على الدَّهر الآتي The Coming Eon.